الأربعاء أكتوبر 22, 2014 3:05 am | المشاركة رقم: |
إحصائية العضو | | عدد المساهمات : 53140 | نقاط : 159048 | تاريخ الميلاد : 16/03/1991 | تاريخ التسجيل : 06/03/2013 | العمر : 33 | الموقع : http://info-reading.blogspot.com/ |
| | موضوع: قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام [size=32]قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام [/size][size=32]د. بدر محمد حسن الصميط
[/size]الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.أما بعدُ:فإن الإسلامَ منهجُ حياة متكامل لجميع شؤون الإنسان: الاجتماعية، والأخلاقية، والاقتصادية، والسياسية، والعلمية، والفكرية، وغيرها.والإنسان جسدٌ وروحٌ، لكل واحد منهما غذاؤه الذي يحافظ به على حياته، ونموّه، وبقائه، وقد أسهب العلماء قديمًا وحديثًا في الكلام عن أغذية الرُّوح، وعُنُوا عنايةً فائقةً في الكلام على ما يصيب الأرواح والقلوب من أسقام، وآفات تُكَدِّر صَفْوَ حياة الإنسان؛ فتصير حياته جحيمًا دنيويًّا، قبل أن يذوق جحيم الآخرة، وجعلوا العمدة في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾[1].فمنهج الله وحيُه، وما شَرَعه للبرية من دِين، إن أعرض عنه البشر ولَوَّوْا أعناقهم عنه، كان في ذلك شقاؤهم وتعاستُهم، وأمراض قلوبهم المعنوية؛ كالقلق، والخوف، والشك، وغيرها من أدواء العصر الذي نحن فيه.ومن أفضل مَن ألَّف في هذا الفن الإمامُ أبو الفرج بن الجوزي[2] في كتابه القَيِّم "ذم الهوى"[3]، والذي أظنُّ أنه لا نظير له في موضوعات أبوابه، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة[4] في كتابه "الحسنة والسيئة"[5]، وتلميذه ابن قيم الجوزية[6] في كتبه القيمة: "طريق الهجرتين وباب السعادتين"[7]، و"الجواب الكافي لِمَن سأل عن الدواء الشافي"[8]، و"الفوائد"[9]، وغيرها كثير.والسبب في كثرة المؤلَّفات في هذا الجانب- جانب العناية بالقلب والروح- هو أن علماءَنا- رحمهم الله- اعتبروا أنَّ القلب والروح هما الأساس الأول في تكوين جسد الإنسان؛ واستأنسوا لذلك بقول المصطفى- عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا إنها القلب))[10]، وهذا لَعَمري في غاية الصحة والصواب.إلا أن القليل من علمائنا القدماء- رحمهم الله- مَن تناول جانبَ العناية بالجسد، وما يفيده وما يضره من الأغذية والأطعمة، وكيفية الأكل، وأوقاته، وكميته... إلخ، إلا النزر اليسير، كما في كتاب "الطب النبوي"[11]؛ لابن قيم الجوزية- رحمه الله- ذلك الكتاب القيم المستوعِب لكثير من الأمور الطبية؛ في صحة الجسم، وسلامته، وعلاجه من الأمراض والأسقام، يجمع أكثر ما ورد في ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة، مع الحكم عليها بالصحة، أو الحسن، أو الضعف، أو الوضع، وشرحها، وبيان معانيها في كثير من الأحيان، وذكر ما ورد عن الصحابة، والتابعين، والعلماء، والأطباء، والحكماء، وغيرهم، وهو كتاب نفيسٌ في موضوعه، لم يؤلَّف مثلُه في فنه- بحسب اطلاعي المتواضع- وكتاب "الطب النبوي"؛ لعبدالملك بن حبيب الأندلسي الألبيري[12]، وكتاب "الأربعين الطبية"؛ لعبداللطيف بن يوسف البغدادي[13] ، الذي شرح فيه أربعين حديثًا من "سنن ابن ماجه" عن الطب، وهو كتاب لطيف جيد، فيه علمٌ مفيدٌ ونافعٌ[14]، وكتاب "الرحمة في الطب والحكمة"؛ للحافظ السيوطي[15]، الذي قسَّمه على أبواب كثيرة تعدَّت المائة والتسعين بابًا، أغلبُها في علاج الأمراض، والأسقام، و العاهات، هذا كله في القديم، وأما في الحديث فقد أُلِّفَت كتبٌ كثيرةٌ جدًّا، أكثرها لم يأتِ بجديدٍ ذي فائدة، ومن أحسن، وأتقن، وأنفع، وأوسع هذه الكتب كتاب: "الموسوعة الطبية الفقهية، الجامعة للأحكام الفقهية، في الصحة، والمرض، والممارسات الطبية"[16].فرأيتُ أن أنجز بحثًا متواضعًا لطيفًا، ألخِّص فيه قواعدَ صحية، تحفظ على الإنسان صحته، وجسمه؛ لأن شؤون الصحة والمرض هي من أَمَسِّ أحوال الإنسان به، وألصقها بحياته اليومية، وأكثرها مواجهة له في جميع حالاته؛ وقد صح عنه- عليه الصلاة والسلام- قوله: ((المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير))[17]، ولما كانت الصحة والعافية من أجلِّ نِعَم الله على عباده، وأجزل عطاياه، وأوفر مِنَحِه، بل العافية المطلقة من أجلِّ النعم على الإطلاق، فحقيقٌ على من رُزِقَ حظًّا من التوفيق مراعاتها، وحفظها، وحمايتها مما يضادها؛ وقد صح عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- من حديث ابن عباس قوله: ((نعمتان مغبونٌ فيها كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ))[18]؛ وقال- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((من أصبح معافًى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا))[19]، ووضعتُ له عنوانًا باسم: "قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام".وجعلْتُه في سبع قواعد مهمة:القاعدة الأولى: تجنُّب الإسراف في الطعام.القاعدة الثانية: الأكل على قدْر حاجة الجسم من الطعام.القاعد الثالثة: الحميَّة أصلٌ من أصول صحة الجسم.القاعدة الرابعة: تنظيم أوقاتِ الطعام، وتجنب الأكل بين الوجبات، بإدخال طعام على طعام.القاعدة الخامسة: اختيار أفضل أنواع الطعام، وتجنب أردئه.القاعدة السادسة: هيئة جلوس الأكل والشرب.القاعدة السابعة: وصايا وتوجيهات عامة: في المأكل، والمشرب؛ للعناية بالصحة، والوقاية من الأمراض[20].وأختتم هذه المقدِّمة بما قاله الإمام الخازن- رحمه الله.قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام: القاعدة الأولى: تجنُّب الإسراف في الطعام:قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [21]، قال أهل العلم بتفسير كتاب الله في تفسير هذه الآية الكريمة: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "أحل الله الأكلَ، والشربَ، ما لم يكن سرفًا، أو مخيلة"[22]، قال أبو الليث السمرقندي في معنى الإسراف: "هو أن يأكل مما يحل له أكله فوق القصد، ومقدارِ الحاجة"[23]، وهو كذلك في اللغة: مجاوزة الحد والقصد[24]، وقال الإمام الماوردي في تفسير الآية: "لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع؛ فإنه مُضِرٌّ؛ وقد جاء في حديث: ((أصل كل داء البردة))"[25].والبردة التخمة وهي: ثقل الطعام على المعدة[26]، قال الإمام القرطبي في "تفسيره": "الإسراف: الأكل بعد الشبع"[27]، وقال العلامة الطاهر بن عاشور في "تفسيره": "هو تجاوزُ الحد المتعارَف في الشيء"[28]، وقال الأستاذ رشيد رضا في "تفسير المنار": "الأصل في الإسراف تجاوز الحد في كل شيء بحسبه، والحدود منها طبيعي؛ كالجوع، والشبع، والظمأ، والرِّي، فلو لم يأكل الإنسان إلا إذا أحس بالجوع، ومتى شعر بالشبع كف، وإن كان يستلذُّ الاستزادة، ولو لم يشرب إلا إذا شعر بالظمأ، واكتفى بما يزيله ريًّا، فلم يزد عليه لاستلذاذ بَرَدِ الشراب، أو حلاوته- لم يكن مسرفًا في أكله وشربه، وكان طعامه وشرابه نافعًا له"[29]، وقال ابن عطية في "تفسيره": "مَنْ تلبَّس بفعلٍ مباح فإن مشى فيه على القصد، وأواسط الأمور فحسنٌ، وإن أفرط حتى دخل الضررُ حصل أيضًا من المسرفين وتوجَّه النهي عليه"[30]، وقال الإمام الرازي في "تفسيره" أيضًا في معنى: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا ﴾: "أن يأكل ويشرب، ولا يتعدى إلى الحرام، ولا يُكثِر الإنفاق المستقبح، ولا يتناول مقدارًا كثيرًا يضره، ولا يحتاج إليه"[31]، وقال الإمام الزجاج في "معاني القرآن": "الإسراف أن يأكل مما لا يحل أكلُه مما حرَّم الله تعالى أن يؤكل شيءٌ منه، أو تأكل مما أحل لك فوق القصد، ومقدار الحاجة، فأعلمَ اللهُ- عز وجل-أنه لا يحب من أسرف"[32]، وقال الإمام البقاعي في "نظم الدرر": "من جملة السرف الأكل في جميع البطن"[33]، وقال الإمام الشوكاني في تفسيره "فتح القدير": "ومن الإسراف الأكل لا لحاجة، وفي وقت شبع"[34]، فتحصَّل من كلامهم- رحمهم الله تعالى- أن النهي في الآية يتناوَل الزيادةَ على قدر الحاجة، من الطعام، مما يلحق الضرر بالبدن، وإن كان المأكولُ مباحًا، فالوعيد في الآية يشمله، واللهُ- جل وعلا- لا ينهى عن شيء إلا وفيه الضررُ المحقق للإنسان، إما عاجلاً في الدنيا، أو آجلاً في أخراه.فكلُّ شيءٍ جاوَزَ حدَّه انقلب ضده.وهذه الآية الكريمة- آية الأعراف- على قلة كلماتها إلا أنها قاعدةٌ وأصلٌ في حفظ الصحة لجسم الإنسان، فقد ذكرت كثيرٌ من كتب التفسير، وغيرها: أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان له طبيبٌ نصراني حاذق[35]، فقال لعلي بن الحسين بن واقد[36]: "ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان، فقال علي بن الحسين: قد جمع الله الطبَّ كلَّه في نصف آية من كتابنا، فقال النصراني: وما هي؟ فقال علي بن الحسين: قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾، فقال النصراني: ولا يؤثَر عن رسولكم شيءٌ في الطب، فقال علي: جمع رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- في ألفاظٍ يسيرةٍ، فقال النصراني: وما هي؟ فقال علي بن الحسين: قوله- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((المعِدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، وأَعْطِ كلَّ بدن ما عودته))، فقال النصراني: ما ترك كتابُكم، ولا رسولُكم لجالينوس طِبًّا[37]، وقد ذكر ابن العربي في "أحكام القرآن" للعلماء قولين في حكم الأكل بما يزيد على قدر الحاجة، الأول: الحرمة، والثاني: الكراهة، وقال: هو الأصح لأن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان، والأزمان، والأسنان، والطعمان[38].وأما الأضرارُ الناجمةُ عن الإسراف في الطعام، ومجاوزة حد الشبع، والاعتدال فيه- فكثيرةٌ جدًّا، ذكر منها حُجَّةُ الإسلام الغزالي[39] في كتابه "إحياء علوم الدين" الكثير، كما أورد الإمامُ ابن رجب الحنبلي[40] طرفًا منها في كتابه القَيِّم "جامع العلوم والحكم"، وهي منحصرةٌ في ثلاثة أنواع من الأضرار.الأول: ضررٌ شرعيٌّ: وهو الوقوع فيما نهى الله ورسوله عنه، على قول من يقول بالحرمة فيمن أكل زيادةً على حاجته، وجاوز حد الشبع.الثاني: ضررٌ يلحَقُ بالبدن، أو يؤثر فيه سلبًا، أو عضو من أعضائه.الثالث: ضرر يلحَق بالقلب والعقل، أو يؤثر فيه سلبًا؛ فيعوقه عن بعض مهامِّه، أو عن القيام بها على الوجه الأكمل[41].وإليك تفصيل ذلك:النوع الأول من الأضرار: الضرر الشرعي، وهو أن المجاوِز في أكله درجةَ الشبع، داخلٌ فيما نهى الله عنه، كما ورد ذلك في آية الأعراف؛ وأما نهي رسوله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد روي عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير مخيلة، ولا سرف؛ فإن الله- سبحانه- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده))[42].وروي عنه- عليه الصلاة والسلام- أن رجلاً تجشَّأ[43] عنده: فقال له- عليه الصلاة والسلام-: ((كُفَّ عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعًا في الدنيا، أطولُهم جوعًا يوم القيامة))[44]؛ وروي عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((إن من السرف أن تأكل كلَّ ما اشتهيت))[45].النوع الثاني من الأضرار: الضرر الذي يلحق بالبدن، أو يؤثِّر فيه سلبًا، أو في عضو من أعضائه: وهذا أحد أهم مقاصد هذا البحث.أقول: إن كثرة الطعام وتجاوز الحد إلى درجة الشبع يُفضِي إلى فساد الجسم، ويورثه الأسقام، ويكسل عن الصلاة؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ذلك، حيث قال: "إياكم والبطنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض العبد السمين، وأن الرجل لن يهلك حتى يؤْثر شهوته على دينه"[46]، وقال الإمام الغزالي في "الإحياء": "إن في قلة الأكل صحةَ البدن، ودفعَ الأمراض؛ فإن سببها كثرة الأكل، وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق"[47]، وقال الدكتور: أحمد محمد كنعان في كتابه القيم الجليل "الموسوعة الطبية الفقهية"، قد ثبت علميًّا أن السمنة الناتجة عن الإفراط في الطعام، تسبِّب مضاعفاتٍ خطيرةً: في القلبِ، والأوعية الدموية، وجهاز التنفس، وجهاز الهضم، وتزيد معدل الوفيات، وبما أن بعض الناس أكثرُ قابليةً من غيرهم للسمنة؛ فإنه يحسن بهم الالتزام بنظام غذائي محدد؛ للمحافظة على أوزانهم من أخطار السمنة"[48].وقد ذكر الإمامُ ابن القيم في كتابه القيم "الطب النبوي" في أنواع الأمراض الأكثر انتشارًا بين الناس هي مادية؛ سببها الرئيس الزيادة على القدر الذي يحتاج إليه البدن، مما يلحق الضرر به[49]، وعن سفيان الثوري قال: "إن أردت أن يصح جسمُك، ويقل نومك؛ فأقل من الأكل"[50].النوع الثالث من الأضرار التي تلحق بالبدن بسبب الإسراف في الطعام: ما يلحق بالقلب، والعقل، أو يؤثر فيهما سلبًا فيعوقهما عن بعض مهامِّهما، أو عن القيام بهذه المهام على الوجه الأكمل.اعلم أن القلب والبدن هما أشرف أعضاء البدن؛ إذ بهما يكون التمييز، والإدراك، ومعرفة الحق والباطل، والصواب والخطأ في الأشياء والمحسوسات، وأخطر الأمراض ما يصيب أحدهما مما يؤثر في البدن تأثيرًا بليغًا بيِّنًا، وإليك بعض ما ذكر أهلُ العلم من هذه الأضرار:♦ جاء في وصايا لقمان لابنه: "يا بني، إذا امتلأتِ المعدة؛ نامتِ الفكرة، وخرستِ الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة"[51].♦ وقال الغزاليُّ في بيان فوائد الجوعِ، وآفات الشبع، وهي عشر فوائد قيمة، ذكر في الفائدة الأولى منها: "أن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر البخار في الدماغ؛ فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار، وعن سرعة الإدراك"[52]، وذكر في الفائدة الثانية: "أن الشبع يفسد رقَّة القلب وصفاءَه، الذي به يتهيَّأ لإدراك لذَّة المثابرة، والتأثُّر بالذكر"، وأورد عن أبي سليمان الداراني قوله: "إذا جاع القلب وعطش، صفا ورَقَّ، وإذا شبع عمي وغلظ"[53]، وقال- رحمه الله- في الفائدة الخامسة: "إن الإفراط في الشبع يزيدُ في قوة الشهوات، وهي منشأ المعاصي"، ونقل عن ذي النون المصريِّ قوله: ما شبعتُ قطُّ إلا عصَيتُ، أو هممتُ بمعصية"[54]، ونقل عن أبي سليمان الداراني- مرةً أخرى- قوله: "إن الشبعَ يُدخِلُ على البدن ستَّ آفاتٍ، فذكر منها: فقد حلاوة المناجاة، وتعذر حفظ الحكمة، وثقل العبادة، وزيادة الشهوات"[55].وقال ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم": "إنَّ قلَّة الغذاء تُوجِبُ رقَّة القلب، وقوة الفَهم، وانكسار النفْس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك"[56]، ونقل عن محمد بن واسع قوله: "من قلَّ طعمه فهم وأفهم، وصفا ورق، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد"[57]، ونقل عن عمرو بن قيس قوله: "إياكم والبطنةَ؛ فإنها تقسِّي القلب"[58]، وعن الحسن البصري أنه قال: "لا تسكن الحكمة معدةً ملأى[59]، وعن أبي عمران الجوني أنه قال: "من أحب أن ينور له قلبه، فليُقِلَّ طعمَه"[60]، وعن إبراهيم بن أدهم قال: "من ضبط بطنه، ضبط دينه، ومن ملك جوعه، ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدةٌ من الجائع، قريبةٌ من الشبعان، والشبع يميت القلب، ومنه يكون الفرح، والمرح والضحك".♦ وقال الإمام القرطبي في "تفسيره": "إن في قلة الطعام منافعَ كثيرةً، منها: أن يكون الرجل أصح جسمًا، وأجود حفظًا، وأزكى فهمًا، وأقل نومًا، وأخف نفسًا، وفي كثرة الأكل كظُّ المعدة، ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة"[61]. يتبع المصدر: منتديات الياس عيساوي
|
| |