بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى :
هل صحيح أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله:
نعم، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه؛ لأن ذلك ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن العلماء اختلفوا رحمهم الله في تخريج هذا الحديث:
فحمله بعضهم على أن المراد به الكافر أنه يعذب ببكاء أهله عليه دون المؤمن.
ولكن هذا خلاف ظاهر الحديث، لأن الحديث عام، وحمل هؤلاء الحديث على الكافر فراراً من أن يعذب الإنسان بذنب غيره لا يحصل به الخصوص، لأن تعذيب الكافر ببكاء أهله عليه هو تعذيبه بذنب غيره.
وقال بعض العلماء: المراد بذلك أن يُوصي، يعني أن يكون الميت أوصى أهله بأن يبكوا عليه، فيكون هو الا?مر بهذا الشيء فيلحقه من عذابه.
وقال آخرون: هو في الرجل الذي يعلم من أهله أنهم يبكون على أمواتهم ولم ينههم عن ذلك قبل موته؛ لأن رضاه وسكوته مع علمه بأنهم يفعلونه دليل على رضاه به، والراضي عن المنكر كفاعل المنكر.
فهذه ثلاثة أوجه في تخريج الحديث، ولكن كلها مخالفة لظاهر الحديث؛ لأن الحديث ليس فيه قيد، إن المراد به من أوصى بذلك، أو رضي به.
والحديث على ظاهره أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ولكنه ليس عذاب عقوبة؛ لأنه لم يفعل ذنباً حتى يعاقب عليه، لكنه عذاب تألم وتضجر من هذا البكاء، لأنه يعلم بذلك فيتألم ويتضجر، والتألم والتضجر لا يلزم منه أن يكون ذلك عذاب عقوبة. ألا ترى إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر: "إنه قطعة من العذاب" وليس السفر عقوبة ولا عذاب، لكنه هم واستعداد وقلق نفسي، فكذلك عذاب الميت في قبره من هذا النوع؛ لأنه يحصل به تألم وقلق وتعب، وإن لم يكن ذلك عقوبة ذنب.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
المصدر: منتديات الياس عيساوي