«كنت أعتقد أن خبر حملي سيكون المفاجئة السارة بعد أن مر على زواجي سنة، قبل أن أفاجأ أن والدتي تلقت الخبر بنوع من الفتور الذي لا يتماشى أبدا مع صوتها المرح الذي يكشف عن مزاجها عبر الهاتف» تقول أمينة وهي تسترجع ذكريات حملها الأول.
استفز برود الأم أمينة التي راودها الشك حول الحالة النفسية لوالدتها، واعتقدت للحظات أن حماسة والدتها اتجاه نبأ حملها كان فاترا بعد أن جربت دور الجدة لأربع مرات من خلال حمل شقيقتيها.

«درتي فراسك وفينا الضحك»

بعد مرور شهر من نبإ الحمل، لاحظت أمينة أن ولادتها لم تزرها، ولم تكلف نفسها عناء زيارتها، لذا قررت أن تكون هي المبادرة لزيارة والدتها لتتفاجأ أن والدتها تشاطرها تجربة الحمل في وقت غير متوقع. «لقد صدمت حين أخبرتني والدتي أنها حامل، لم أستطع تحديد مشاعري، لكنني شعرت وقتها أنني أمام حدث غريب، فوالدتي جدة لأربعة أحفاد وتستعد لتصبح جدة للمرة السادسة بعد أن كنت أنا في أشهر حملي الأولي، وزوجة أخي في شهرها الثامن» تقول أمينة التي كانت تلاحظ التحرج الكبير من طرف والدتها التي امتنعت عن الخروج من البيت بعد أن انتفخ بطنها، كما أنها أصبحت أسيرة الطابق الثاني من البيت كخطوة منها لتحاشي اللقاء مع أبنائها الشباب.
كانت أقسى اللحظات التي عاشتها والدة أمينة خلال معاتبة ابنها التي تحولت لما يشبه القطيعة، «لقد تجرأ أخي الأكبر على مفاتحة والدتي في موضوع حملها بعد أن تلقى ما اعتبره سخرية شقيق زوجته.. كان رد فعل أخي مبالغا فيه حيث أرسل زوجته إلى بيت والدها، ولم يتواني عن معاتبة والدتي.. قال ليها لقدك كيفكروا في الحج وانتي درتي فراسك وفينا الضحك».
“ضحك الناس” أصبح أمرا متوقعا عقب كل ظهور للأم التي كانت تجتهد في الإختفاء مما يزيد من حدة الفضول، «كنت أرافقها للحمام ليلا بعد أن بدأ بطنها في الظهور، وقد كانت تنزعج كثيرا من عبارات التهنئة المبطنة من السخرية، وعلى الرغم من محاولة تبسيطي للأمور من خلال الإدعاء بأن الأمر عاد جدا، وبأن إحساسها بالسخرية رهين بتخيلاتها فقط، إلا أنني كنت ألمح بعض النظرات المستهزئة من النساء اللواتي يعبن على والدتي حملها في سن متقدم».
كانت أكثر العبارات قسوة هي تلك التي تتلقاها الأم من داخل البيت، حيث حملتها زوجة ابنها مسؤولية المشاكل الزوجية التي تعيشها بعد أن اضطرت للولادة في بيت والدها، «لم تستوعب زوجة أخي أنه طردها لبيت والدها بعد أن أفشت ما اعتبره سرا عائليا يرتبط بحمل والدتي… حتى والدي كان يتعامل معها بطريقة مزاجية حين يحنو عليها مرة، ثم يلومها على حملها مرة أخرى» تقول أمينة التي تعاطفت كثيرا مع والدتها التي أضحت أشبه بمن ارتكب خطيئة ويود التستر عليها قدر الأمكان.

«واش قدك باقي كيولد»

لم يكن والد جميلة مزاجيا كما هو الحال بالنسبة لواد أمنية الذي كان يحنو على زوجته مرة ويلومها في أخرى، «لقد كان والدي سعيدا جدا بحمل والدتي، لكن شخصيا لم أتقبل الأمر أنا وباقي إخوتي وشقيقاتي، لقد تحولنا إلى موضوع للسخرية من قبل أزواجنا وعلائلاتهم وكأن والدتي ستنجب طفلا غير شرعي» تقول جميلة التي تقر بأنها لم تتقبل بالمرة نبأ حمل والدتها.
أمام رفض فكرة حملها من طرف أبنائها، قررت والدة جميلة معاقبة نفسها من خلال الإمتناع عن الأكل والشرب كما قررت الإنزواء داخل بيتها هربا من التعليقات الساخرة التي تسمعها من المحيطين، «لقد كانت والدتي على خلاف دائم مع زوجات عمي، مما جعل من حملها فرصة للتنذر والسخرية من قبلهن، إضافة للتهويل من أعراض حملها واتهامها بالتصابي»
وجدت والدة جميلها نفسها مجبرة على طمس معالم حملها، «كانت تطلب من والدي أن يحضر لها بعض أصناف الطعام خفية مخافة سخرية المحيطين بها، كما أن اهتمام والدي الزائد بها جعل جدتي تحاربها بقوة.. كانت كتقول ليها جبتي لينا الضحك، واش قدك باقي كيولد».
كانت الفترة التي أعقبت الولادة أكثر قسوة بالنسبة لوالدة جميلة، «لم تتمكن والدتي من إبداء فرحتها كاملة بعد الولادة، حيث كانت نظرات الفضوليين بالمستشفى تزيد من توترها، كما أحست بتحرجنا من الوضع مما تسبب في إيلامها كثيرا» تقول جميلة التي اضطرت إلى رعاية والدتها خلال فترة نفاسها.
لم تكن الظروف مواتية للإحتفاء بالمولود الجديد مما جعل والدة جميلة تشعر بالكثير من الحزن اتجاه مولودها الذي حرم من حفل العقيقة على غرار باقي إخوته، «كانت والدتي تشعر بالتقصير كلما حملت أخي، لكنها في الوقت نفسه لم تتمكن من الإحتفال بعقيقته خوفا من أن تتحول المناسبة إلى فرصة للسخرية منها»

حامل في الخامسة والأربعين

بالنسبة لخدوج لم تكن بحاجة لمن يذكرها بأن حملها تم في سن غير ملائم، بعد أن بلغت الخامسة والأربعين من عمرها، وهي المرأة التي أنجبت مولودها الأول وسنها لم يتعدى السابعة عشر. كانت المشكلة الأساسية بالنسبة لها تكمن في سن أبنائها الذين لم يستوعبوا أن والدتهم حامل بشقيقتهم الصغرى بعد أن أصبح أكبر الأبناء إطارا بنكيا، وأوسطهم أستاذا، بينما يتابع أصغر الأبناء دراسته الجامعية. إعتقد البعض أن حمل خدوج كان مقصودا بعد أن عجزت في الحصول على مولود أنثى، لتجرب حظها في سنوات عمرها المتقدمة، غير أن خدوج نفسها ترى أن الحمل لم يكن مقصودا بالمرة، «هذه مشيئة الله… ولكن تحرجت كثيرا بسبب سني أبنائي الذين امتنعوا عن مرافقتي في الشارع، كما أنني لم أعد أستطيع مجالستهم عندما ظهرت بطني في الأشهر الأخيرة، خاصة أن نفسيتي أصبحت جد متأزمة» تقول خدوج التي أصابها الخوف على مصيرها ومصير جنينها بعد أن شعرت أن فكرة الحمل في سن متقدم من شأنها أن تهدد حياتها.
«لقد تملكني إحساس غريب بأنني سأموت أثناء الولادة، لذا كنت أنزوي وأبدأ في البكاء لأنني اعتقدت أنني لن أتمكن من رؤية أحفاد أبنائي» تقول خدوج التي فوجئت أن ابنها قرر تأخير موعد خطوبته بعد حملها لإحساسه بالحرج الشديد من فكرة التقدم للزواج في الوقت الذي يفترض فيه أن ترافقه والدته وآثار الحمل بادية عليها. أحست خدوج أنها تسببت في تأخير خطوة ارتباط ابنها، كما أن فترة الوحم كانت فترة عصيبة في حياة أبنائها الذين تحملوا أعباء البيت بالكامل، إضافة إلى التناوب على رعايتها رفقة زوجها الذي كان مضطرا للعودة باتجاه البيت كلما اتصلت به معتقدة أنها ستفارق الحياة.
لم تكن فكرة مفارقة الحياة مجرد هاجس يمر بخاطر خدوج، بل أصبح فكرة غير قابلة للنقاش، «كنت أجمع أبنائي وأوصيهم برعاية والدهم بعد وفاتي، كما كنت أجبرهم على التعهد برعاية المولود الجديد في حال فارقت الحياة أثناء الولادة».

سكينة بنزين