شتان بين إرادة وإرادة!
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]
من تدبر هذه الآية بقلب حي واستشعر حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، أدرك مدى تكريم هذا الدين القويم للإنسان ومدى لطف الخالق ورحمته بهذا المخلوق الضعيف العاجز.
هذه الآية الكريمة تحدثنا عن صراع الإرادات: إرادة الإيمان والسمو إلى المرتقى الصاعد في مقابل إرادة الانحدار والانزلاق إلى الهاوية.
إنه صراع ممتد عبر التاريخ ولن يهدأ، ومعركة قائمة ولن تتوقف بين إرادة الحق في مقابل إرادة الباطل .
إنه تنازع وتجاذب بين إرادة التوبة والرجوع إلى الله، في مقابل إرادة الانحراف والانغماس في مستنقع الرذيلة.
صراع الثبات على مفاهيم الحق والمبدأ الراسخ في مقابل التنازل عن الثوابت والانسلاخ من القيم.
شتَّان ما بين إرادةٍ وإرادة! شتان بين إرادة الرحمن و إرادة أولياء الشيطان!
فماذا يريد الحق سبحانه من عباده؟
قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [سورة البقرة: 185].
﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة النساء
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ [سورة النساء: 27]
آيات تتقاطر منها الرحمات والتيسير ورفع الحرج على العباد.
فمن رحمة أرحم الراحمين أنه بين لنا سبيل الرشاد وخفف عنا التشريع، ثم فوق هذا الكرم تفضل علينا بإقالة عثراتنا إن أذنبنا، ولم ييئسنا من رحمته، ولم يغلق باب توبته دوننا، وهو مطلع على سرائرنا وخبايا صدورنا ، فلا يخفى عليه فقرنا واحتياجنا فلا ملجأ لنا إلا إياه.
ومن أعظم نعمه علينا نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
فيا فرحة من استقامت نفسه على هذا الدين القويم، وسلم قلبه إلا من رب العالمين، وكان من المهتدين إلى الصراط المستقيم. ذلك الفوز المبين وسعادة الدنيا والدين.
والسؤال الآن؟ ماذا يريد الذين يتبعون الشهوات؟ ماذا يريد أهل الباطل جنود إبليس وأعوانه؟
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) [سورة النساء: 27].
يريدون غواية أهل الحق وفتنتهم عن دينهم، ويريدون إفساد أخلاقهم فيصبحون مثلهم يَلْهَثون وراءَ شهواتهم وأهوائهم.
يريدون إيقاعهم في حبائل الشيطان واتباع خطواته حتى تتحقق غايته التي صرح بها لرب العالمين :﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ﴾ [الحشر: 16]
يريدون من أهل الحق أن يميلوا وينحرفوا عن استقامتهم، ليس أي ميل، وإنما "ميلا عظيما".
يريدون من أعمق قلوبهم، أن يميلوا من الحق إلى الباطل، من الهدى إلى الضلال المبين، ومن الزواج إلى السفاح، من البيع الحلال إلى الربا...
يريدون كائنا مسخ ! منتكس الفطرة السوية.
يريدون مسلما انتسابا لا حقيقة، فارغ القلب من معاني الإيمان، همه ملذاته الفانية يعيش بلا هدَف ولا غاية، لا دين يشغله ولا مبدأ يردعه...
فاحذر أن تضيع منك البوصلة في صحراء الفتن، فتضل الطريق ! قم واستقم كما أمرت ! اجعل الله وحده همّك، ولا تتبع أهواءهم! استعذ بالله وتذكر (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقیم).
فأنت قوي بإيمانك، ومن نافسك في الدنيا فألقها في نحره، فالراغب في الجنة لا يخفى عليه ثمنها، وثمنها بثمين الأعمار واللحظات وخالص الأعمال والقربات (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
المصدر: منتديات الياس عيساوي